Home

A federally-registered independent political party

Follow the CEC on Facebook Follow @cecaustralia on Twitter Follow the CEC on Google +


Follow the CEC on Soundcloud












أتريد أن تتعلم كل شيء عن علم الاقتصاد؟الفصل الثالث

أتريد أن تتعلم كل شيء عن علم الاقتصاد؟
So, You Wish to Learn all about Economics?
كتاب في علم الاقتصاد الرياضي الابتدائي
تأليف: ليندون هـ. لاروش
Lyndon H. LaRouche


ترجمة: حسين العسكري
Translated by: Hussein Askary


صَدَرَت الطبعة الانجليزية عام 1995 عن:
EIR News Service, Inc
Washington, D.C




الفصل الثالث

علم الديناميكا الحرارية وعلاقته بالاقتصاد السياسي

The Thermodynamics of Political Economy



عادة ما يصدم المرء في الأجواء الدراسية الأكاديمية وغيرها بالإشارة إلى أحد "قوانين الديناميكا الحرارية" المزعومة أم جميعها. فإذا وضعنا جانباً الأشخاص الكسالى الذين لا يسائلون أو يتحدون أبداً صحة الافتراضات التي توفرها الكتب الدراسية والقواميس والمعاجم، وقمنا بإجراء كمية معقولة من البحث في مصادر هذه "القوانين" فإننا سنكتشف أن مفهوم "القانون" المستخدم هنا هو ذو طبيعة تشريعية وليست علمية. فهذه القوانين تمثل عملية فرض قسري واعتباطي لمفهوم أرسطوطاليس للطاقة ( energeia ) على علم الفيزياء الرياضي الذي كان مطبقاً في خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد تم فرض ذلك من قبل أشخاص مثل كلاوسيوس وهيلمهولتز وماكسويل وتعيس الحظ بولتزمان .[1]

فقوانين الديناميكا الحرارية الثلاث هي ليست اعتباطية فحسب، بل وأنها قد تم إثبات زيفها بشكل تام من قبل يوهانس كيبلر عدة قرون قبل طرحها.

وبالرغم من أن مهمة تقديم الأدلة على ذلك تعود إلى فصل لاحق من هذا الكتاب، إلا أننا نقدم هنا حقيقة الموضوع حتى نثير انتباه القارئ إلى الطبيعة المؤقتة للمناقشة التوضيحية التي سنغوص فيها هنا.

كما هي الحال مع سادي كارنو، يعتمد التعريف الابتدائي لظاهرة الحرارة على استخدام عملية قياس الحرارة بواسطة مقياس الحرارة المدرج الحسابي. نقيس الحرارة في عملية تقدير تقريبية أولية باعتبارها كمية من الحرارة ناتجة عن العمل المطلوب لرفع الحرارة درجة واحدة على المقياس المئوي أو الفهرنهايتي. ولغرض المحافظة على الاتساق في عمليتنا هذه نقوم بعد ذلك بقياس عملية تحويل الحرارة إلى عمل ممثلة في عملية استهلاك كمية من الحرارة مقدرة ضمنيا كانخفاض درجة حرارة الحرارة المستخدمة. ليس هنالك أي عيب في استخدام هذه المجموعة من الافتراضات فقط لغرض الوصف الابتدائي للظواهر، بشرط أن نكون في شك - كما كان كارنو في شك - من هذه الافتراضات. إن الافتراضات شيء مفيد لإجراء التقديرات التقريبية الأولية، لكنها ستكشف بشكل يمكن إثباته عن بطلانها إذا حَمّلناها أشياء تتجاوز حدود ذلك التقدير التقريبي الأولي. في هذا الفصل لا نولي اهتمامنا لقضايا هي خارج نطاق التقدير التقريبي الأولي.

نبدأ الآن عملية التقدير التقريبي الأولي. قسِّم إجمالي الطاقة المستخدمة energy-throughput إلى مجموعتين ثانويتين رئيسيتين. إن حصة الطاقة المستخدمة التي ينبغي أن تبدو وكأن العملية نفسها يجب أن تستهلكها حتى نتجنب "تباطؤ" العملية تسمى {{طاقة النظام}} energy of the system . لقد تم تداول مصطلح "التباطؤ" (أو التوقف التدريجي) "running down" لأول مرة من قبل إسحاق نيوتن Isaac Newton وفي مناقشة قصد نيوتن في مراسلات كلارك - لايبنز. إن الصورة التخيلية لوصف هذا المصطلح هي "تباطؤ" زنبرك (النابض الرئيسي) الساعة الميكانيكية البسيطة. هذا هو الأصل التاريخي لتعريف مصطلح "الانتروبيا" entropy في علم الميكانيكا الاعتيادي. يُنظر إلى "طاقة النظام" على أنها تحمل في داخلها مشكلة ضياع القدرة على إنجاز العمل نتيجة للاحتكاك وتبدد الطاقة وغير ذلك. وإذا بقي شيء من إجمالي الطاقة المستخدمة بعد استقطاع طاقة النظام المطلوبة فإن الجزء المتبقي يسمى "طاقة حرة".

لنتخيل على سبيل التقدير التقريبي الأولى أن العمليات الاقتصادية تأخذ شكل الشركة الصناعية-الزراعية المتكاملة المستقلة التي سبق وصفها في فصل سابق من الكتاب. إن نمط العملية الديناميكية الحرارية الذي يجب أن نتخيله حتى نختبر الشركة الصناعية - الزراعية المتكاملة بشكل ديناميكي حراري هي عملية {{ديناميكية حرارية مغلقة}}. فجميع مصادر واستخدامات الطاقة موجودة داخل العملية التي يتم اختبارها.

في مثل هذه الحالة، تتوافق {{طاقة النظام}} مع تكاليف ونفقات إنتاج إجمالي السلع المادية وغيرها من المواد المنتجة. أما {{الطاقة الحرة}} فإنها تمثل صافي ربح التشغيل للشركة ككل. ويتم استنباط الدالات الرياضية المطلوبة هنا عن طريق فحص المؤثرات الناتجة عن إعادة استثمار الطاقة الحرة (صافي ربح التشغيل) باعتبارها طاقة نظام مضافة.

إن التأثير المميز "المنتقى" كمقياس لأداء هذه الدالة الرياضية هو {{اقتصاد جهد العمل}} كما تم تعريفه في مكان سابق من الكتاب. إن التأثير الظاهري لإعادة استثمار الطاقة الحرة حتى تزداد طاقة النظام هو ازدياد تكاليف الاقتصاد لكل فرد، الأمر الذي يبدو انه على العكس تماما من النتيجة المطلوبة. في أي اقتصاد ناجح يبدو أن ما يقع هو نتيجة صافية معاكسة تماما، حيث تنخفض التكاليف الاجتماعية لإنتاج "سلة سوق ذات محتوى ثابت"، أي يحدث اقتصاد في جهد العمل. وحين نحاول اكتشاف المغالطة الموجودة في مثل هذه المفارقة نتوصل إلى إدراك أن هنالك عملية خلط ما بين "التفاح والبرتقال" في عملية حسابنا. نعم، تزداد طاقة النظام بالفعل، لكن كلفة تزويد هذه الطاقة - أي كلفة العمل - تنخفض. فهنالك ارتفاع في كلفة الطاقة لنشاطات اليد العاملة لكل فرد، لكن كلفة العمالة الداخلة في إنتاج هذه الطاقة يتم خفضها إلى درجة كافية بحيث ينخفض معدل كلفة العمل مقسومة على كل فرد. هذه هي النتيجة المتناسقة مع التأثير المميز المنتقى لتعريف دالتنا الرياضية.

نعيد الآن طرح هذه المفارقة في سياق تَغَيُّر قيم نسبة الطاقة الحرة إلى طاقة النظام. إذا كانت كمية الطاقة الإجمالية المستخدمة ثابتة عبر دورات متتابعة للعملية الاقتصادية المشروحة بشكل ديناميكي حراري، فإن ارتفاع طاقة النظام لكل فرد عن طريق تحويل الطاقة الحرة "المعاد استثمارها" إلى طاقة نظام مضافة يتسبب لا محالة في هبوط نسبة الطاقة الحرة إلى طاقة النظام .[2]

ثم إذا تم توسيع الدالة الرياضية (العملية الاقتصادية) بمرور الوقت فإن هذه النسبة لا بد وأن تقترب من الصفر. وإذا أضفنا إلى ذلك تأثيرات نضوب الموارد الطبيعية ضمن النظام الديناميكي الحراري المغلق فإن النسبة يجب أن تصبح سالبة بمرور الوقت. ويعني هذا أن العملية الاقتصادية (الديناميكية الحرارية) يجب أن تنهار.

في قضية العملية الديناميكية الحرارية المغلقة يبين انخفاض نسبة الطاقة الحرة إلى طاقة النظام بهذا الشكل أن العملية الممثلة لدالة رياضية كهذه هي عملية "انتروبية" أساساً. فالزنبرك يتباطأ تدريجيا. لكن إذا أخذنا الوجود البشري ككل يثبت ارتفاع الكثافة السكانية النسبية المحتملة أن النتيجة غير الانتروبية المرغوبة موجودة بالفعل في العمليات الاقتصادية. إن ارتفاع الكثافة السكانية النسبية المحتملة يمثل دالة رياضية خاصيتها الأساسية هي الانتروبيا السالبة negative entropy . هذه هي أيضا خاصية العمليات الحية وبضمنها وجود النوع البشري.

إذا سلمنا فرضا بالمسلمات الضمنية التي تنطوي عليها النظرية السُعرية للحرارة فهذا سيعني أن كون الوجود البشري وجودا انتروبيا سالبا سيعني أن استمرار وجود المجتمع الإنساني سيتطلب قيام البشرية باستنفاذ مصادر الطاقة الموجودة في بيئتنا. هذه هي إحدى التبريرات التي يسوقها المالثوسيون المحدثون في "نادي روما" Club of Rome والمتعاطفون معهم. وقد يقول بعض الأشخاص الأكثر معرفة في أوساطهم: "نعم، قد تكون النظم الحياتية وربما حتى الاقتصاديات الناجحة انتروبية سالبة إلى الوقت الحاضر. المشكلة هي أننا نقوم باستنفاذ المصادر المحدودة من الطاقة في بيئتنا بنسبة لا يمكن بوجودها الاستمرار بالوجود بصورة انتروبية سالبة".

في السابق، وكما هي الحال مع كتاب "حدود النمو" Limits of Growth الذي أصدره نادي روما، جادل كل من دينيس ميدوز Dennis Meadows وجي فوريستر Jay Forrester الأستاذان في جامعة MIT بأن جميع النظم الاقتصادية هي انتروبية جوهريا. وقد دعموا زعمهم هذا بشكل رئيسي باستخدام نموذج ليونتييف Leontieff للعلاقات بين الطاقة التي يتم تزويدها والناتج، وهو النموذج المستخدم في بناء النظام الأمريكي الحالي لحساب الدخل القومي. كما تستخدم الأمم المتحدة ومعظم الأمم الأخرى أيضا هذا النموذج في قياس إجمالي الناتج المحلي للاقتصاديات الوطنية. إن الطرق الشائعة كهذه الطريقة في حساب الدخل القومي هي مغلوطة جوهريا في العديد من مفاصلها الأساسية، وأهم هذه المغالطات كما هي الحال في كتاب "حدود النمو" هي استخدام ما يسمى اليوم "تحليل النظم" System Analysis وهي نظم ذات معادلات خطية لوصف العلاقات بين الطاقة المزودة والناتج ضمن عملية اقتصادية ما. إن استخداما كهذا للمعادلات الخطية يجزم بشكل اعتباطي بأن التقدم التكنولوجي قد توقف بشكل مفاجئ وتام في اللحظة التي تم فيها إدخال مثل هذه النظم لكشوف حساب خطية إلى جهاز الكومبيوتر. ينبغي أيضا ملاحظة أن ميدوز وفوريستر قد أضافا وبشكل اعتباطي حقاً إلى حساباتهم تقييما تقديريا لجدول يحتوي على معلومات عن الموارد الطبيعية. وكان هذا التقييم متشائما جدا وضئيلا للغاية، لا بل كان مزورا أيضاً. إن من بين الخدعتين هاتين في عمل ميدوز وفوريستر، يمكن اعتبار استخدامهما للنظم ذات المتباينات الخطية - أي تحليل النظم - هي الخديعة الأكثر أهمية.

الأسوأ من ذلك هو أن كتاب النصب والاحتيال هذا قد أصبح يستخدم كنقطة انطلاق للمجادلة بضرورة إيقاف عملية التقدم التكنولوجي. فبعد أن تم استخدام تحليل النظم للجزم بأن التقدم التكنولوجي لا يحدث، عادوا وجادلوا بعد ذلك بأن هذا التقدم التكنولوجي الذي لا يحدث أصلاً يجب إيقافه ومنعه من الحدوث. وبعد أن أثبتوا حقا بأن توقف عملية التقدم التكنولوجي سيقود إلى كارثة عالمية في كتاب "حدود النمو" فإنهم استنتجوا من ذلك أن التقدم التكنولوجي يجب أن يتوقف. يشابه هذا الأمر عملية القياس المنطقي التي تقول انه طالما أن التوقف عن الأكل يسبب موت الناس لذلك فإن على الناس التوقف عن الأكل. لربما يفضل ميدوز وفوريستر والمعجبون بهم موت العنصر البشري على أن يعترفوا بالفشل الجذري لمذهب تحليل النظم.

إن الحجج التي قدمها مؤلف هذا الكتاب (لاروش) ومعاونوه دفعت الشخصيات القيادية من المالثوسيين المحدثين ومن بينهم صناع قرار في رئيسيين في "نادي روما" إلى تغيير شكل نظريتهم .[3]

فقد أدت أعمال هذا الكاتب المنشورة وواسعة الانتشار حول موضوع ارتفاع الكثافة السكانية النسبية المحتملة إلى إحراج صناع القرار في "نادي روما" بحيث تحولوا عن مذهب ميدوز وفوريستر و "حدود النمو" إلى انتحال بسيط لنظريات الفيزيوقراطيين من القرن الثامن عشر. فقد أصروا على أن "قابلية الاستيعاب" carrying capacity للأرض الصالحة للسكنى قد تم تخطيها بسبب الارتفاع الحالي في نسب السكان. وقد تحججوا في ذلك بالقول ببساطة أن الكون كله يحكمه "قانون انتروبي" وأن استمرار وجود الإنسان يؤدي إلى تسارع معدل انحدار الكون إلى نهايته المحتومة "بالموت الحراري". بتعبير آخر يقصدون أن محاولة الإنسان المحافظة على نسب السكان الحالية أو زيادتها عن طريق التقدم التكنولوجي تؤدي إلى تعجيل معدل استنفاذ الإنسان لمصادر الطاقة المحدودة في بيئته. معنى ذلك أن العنصر البشري قد تخطى عتبة استهلاك الطاقة بمعدلات أعلى مما يمكن للطبيعة أن توفرها. من هذا المنطلق يعني ذلك أن أننا طالما نقبل التقرير القائل بأننا نستنفذ المصادر القليلة للخشب والبترول والفحم فإن علينا إغلاق محطات الطاقة النووية وأن نؤجل إلى أجل الأبد أية محاولات إنفاق من شأنها أن تطور عملية إنتاج الطاقة من الدمج النووي بشكل تجاري. إن المالثوسيين ليسوا لا عقلانيين فحسب بل ولا عقلانيين بشكل مَرَضي.

ينبغي أن يكون قد اتضح بشكل كافي أنه إذا تعلق الأمر بقيام المالثوسيين المحدثين بمحاولة استخدام الحجج آنفة الذكر للإدعاء بوجود خلفية علمية لما يقولون فإن حججهم مبنية كليا على القوانين الثلاث المزعومة للديناميكا الحرارية. وقد ذكرنا في بداية هذا الفصل أن هذه القوانين الثلاث قد تم فرضها بشكل تعسفي على علم الديناميكا الحرارية بدءا من عام 1850 تقريبا.

رسميا، يرجع تاريخ هذه القضية إلى قيام رودولف كلاوسيوس بالاستيلاء على العمل الذي كان سادي كارنو قد قام به في عام 1824 وتحريفه وإظهاره بمظهر آخر. طرح كلاوسيوس في عام 1850 ما أصبح معروفا إلى يومنا هذا باسم "القانون الثاني للديناميكا الحرارية". ولإتمام هذه الصياغة للقانون الثاني، أصبح مطلوبا إضافة القانون الأول والثالث حتى يتم تبرير المغالطات الواضحة في القانون الثاني. وقد أدت الجهود المتداخلة لكلاوسيوس وهيلمهولتز وماكسويل وبولتزمان إلى تأسيس هذه التلفيقات باعتبارها قوانين ذات رهبة غير قابلة للجدل. في الحقيقة كان أصل هذه التركيبات هو مذهب لابلاس وخليفته كاوشي في بداية القرن التاسع عشر. وقد شيد كلاوسيوس وهيلمهولتز وماكسويل وبولتزمان - بناءاً على الإطار الذي أسسه لابلاس وكاوشي -- شيدوا المذهب الغريب المسمى "إشعاع الجسم الأسود" و "النظرية الإحصائية للحرارة (الصدمية)" الذي أربك العلم إلى يومنا هذا، وهي حيرة حكمت المجتمع العلم بشكل واضح منذ انتحار بولتزمان الكئيب عند مزار توري إي تاسو Thurn und Taxis حيث قلعة ريلكه ( Rainer Maria Rilke) المسماة دوينو.

لقد تم تفنيد القانون الثاني للديناميكا الحرارية بصورة غير مباشرة بواسطة عمل يوهانيس كيبلر الذي تم نشره في بداية القرن السابع عشر، أي قبل قرنين من فرض كاوشي على منصبه في الإيكول بوليتيكنيك من قبل مؤتمر فيينا عام 1815. وقد وضحنا بعض النقاط المتعلقة بهذا الأمر في موضع سابق من هذا الكتاب. والآن سنبين علاقة هذه المادة ببرهان كيبلر.

لقد ذكرنا من قبل أن باتشيولي وليوناردو دافينتشي كانا أول المعاصرين الذين ذكروا أن العمليات الحياتية تتميز عن العمليات عن العمليات غير الحياتية بنمو متشابه self-similar متطابق مع المقطع الذهبي. وقد أعاد كيبلر التشديد على ذلك التمايز فيما بعد. إن الحقيقة الأساسية المتعلقة بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية هو أن جميع القوانين الفلكية لكيبلر قد تم اشتقاقها بواسطة عملية بناء نابعة من نقطة الانطلاق المتمثلة بالمقطع الذهبي. وطالما أن غاوس قد برهن فيما بعد أن قوانين كيبلر كانت مناسبة بشكل فريد وطالما أن هذه القوانين موجودة ضمن المقطع الذهبي، فإن الكون كله له نفس خصائص العمليات الحية. {{أي أن الكون ككل ذا خاصية انتروبية سالبة جوهرياً}}.

وتتضح أهمية المقطع الذهبي - بدون عبء الخرافات أو غيرها من الأفكار الباطنية - عن طريق عمل غاوس في تحديد الدالات الإهليلجية.

قُم ببناء لولب متشابه (لوغارثمي) على جانب مخروط. إن الشكل المُسقَط لهذا اللولب على القاعدة الدائرية للمخروط هو لولب مستوي يمتلك خاصية المقطع الذهبي. يمكن تقريب هذه الخاصية عن طريق تقسيم أذرع اللولب بأنصاف أقطار القاعدة الدائرية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت أنصاف الأقطار مرسومة بحيث تقسم القاعدة الدائرية إلى 12 قسم متساوي، فإن أنصاف الأقطار تقسم طول أذرع اللولب إلى أقسام منحنية تتناسب بالضبط مع نوطات السلم الموسيقي الجيد التعديل (شكل 1)[4]

.

هذا يوضح حقيقة أن بروز المقطع الذهبي كخاصية لعملية تتم مراقبتها في الفضاء المرئي (أي الفضاء الإقليديسي) هو ليس إلا عملية إسقاط على الفضاء المرئي لصور فعل لولبي-مخروطي متشابه يقع في "الكل ـ المتعدد المتصل" continuous manifold الذي يمثل مجال الفعل اللولبي المخروطي المتشابه، أي "المجال المركب" "the complex domain". ويتضح هذا بشكل أكبر من خلال الاستكشاف التالي لأهم نواحي مثل هذه الدالات المخروطية[5]

.

أولا، إذا درس التلميذ لولبا لوغاريثميا مبنيا على جانب مخروط وقام بوصف المحل الهندسي locus لتوليد هذا اللولب جبريا فإن التلميذ سيلاحظ أنه قد انتج أكثر شكل ابتدائية من أشكال المتغير المركب complex variable : a+bi . وإذا استمر من هذه البداية فإن "الخصائص" الأساسية الأخرى للدالات المخروطية (دالات المتغير المركب) ستظهر أمامه. قام التلميذ في البداية بتكوين معنىً "فيزيائياً" ابتدائياً لمفهوم المتغير المركب. من هذا المنطلق وبعد تكوين ذلك يكون التلميذ قادراً على تحديد الأهمية الفيزيائية لكل واحدة من "الخصائص" المستنبطة من استمرار عملية الاستكشاف.

ثانيا، على التلميذ أن يبني خطاً مستقيماً من رأس المخروط إلى قاعدته الدائرية وأيضا بناء الخط الذي يمثل محور المخروط. في كل نقطة يتقاطع فيها اللولب مع الخط المستقيم الممتد من رأس المخروط إلى قاعدته قم بقطع حجم المخروط بمقطع عرضي دائري (الشكل 2). على التلميذ حينذاك أن يتصور أن حجم المخروط هو المحل الهندسي لارتفاع الكثافة السكانية النسبية المحتملة بحيث يمثل كل مقطع عرضي دائري كثافة سكانية نسبية كامنة معينة. يعطينا هذا صورة هندسية للأهمية الفيزيائية {{للأنتروبية السالبة}}. {{هذا البناء الهندسي يمثل التعريف الرياضي الصحيح للأنتروبية السالبة}}. إن دالة المتغير المركب التي توَلّد تتابع المقاطع العرضية الدائرية ترمز إلى دالة ارتفاع في الكثافة السكانية النسبية المحتملة.

ثالثا، على التلميذ أن يربط المقاطع العرضية الدائرية المتتابعة داخل المخروط ببعضها البعض بواسطة قطوع ناقصة قطرية (مائلة) diagonal ellipses (الشكل 3). هذه هي نقطة البداية لفهم الدالات الأهليلجية. على التلميذ أن يلاحظ بعد ذلك الفرق بين قيم المتوسط الهندسي geometric mean والمتوسط الحسابي لحركة اللولب من أحد المقاطع العرضية الدائرية إلى المقطع التالي. إن المتوسط الهندسي يقابله المقطع العرضي الدائري عند تلك النقطة من اللولب التي عندها يكون "نصف الوقت قد مضى" بين تركه (أي اللولب) نقطة البداية لدورة كاملة واحدة حول المخروط ووصوله إلى نهاية دورة كهذه. بينما يقابل المتوسط الحسابي مقطعاً عرضياً دائرياً مبنياً عند نقطة الوسط لمحور المخروط الواقعة بين بداية ونهاية دورة كاملة واحدة. على التلميذ أن يحدد علاقة المتوسطين الحسابي والهندسي بعملية تحديد بؤر القطع الناقص القطري المقطوع من حجم المخروط لدورة واحدة. على أي البؤرتين للمدار الإهليلجي للأرض تقع الشمس؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لفيزياء الدالات المخروطية؟

رابعاً، على التلميذ أن يبني سطحاً مستوياً موازياً لقاعدة المخروط بحيث يمر عبر رأس المخروط. ثم عليه أن يقوم بإسقاط صور القطع الناقص القطري وصفاته المحددة على هذا السطح المستوي (الشكل 4). سيقع رأس المخروط على إحدى بؤرتي القطع الناقص على السطح، وهذا هو موضع الشمس بالنسبة إلى مدار الأرض.

خامسا، على التلميذ أن يقسم حجم دورة واحدة من الفعل اللولبي المخروطي إلى أجزاء أصغر عند النقط البؤرية للقطع الناقص الأصلي. بعد ذلك يقوم بقطع هذا التقسيم الثانوي للحجم بقطع ناقص مائل ثاني (الشكل 5). كرر ذلك لمرة ثالثة لحجم أصغر مكون بنفس الطريقة (الشكل 6). ابدأ عند هذه النقطة بوصف نسب القيم المميزة لسلسلة القطوع الناقصة التي يتم توليدها.

سادسا، افترض أن هذا التقسيم الإهليلجي المتكرر لحجم دورة واحدة ينتهي عند نقطة ما. تمثل هذه النقطة حجما مقطعيا للمخروط وبعض أجزاء محور المخروط (الشكل 7). عادِل بين هذا الفاصل الصغير من حجم المخروط والخط مع أصغر قيمة لـ "دلتا" في حساب تفاضل لايبنتز. بالإضافة إلى ذلك صَنِّف هذه باعتبارها "مفردة" (الحالة الفريدة) singularity عملية التحول الانتروبي السالب الممثل بدورة واحدة للولب المخروطي.

إن هذا التصور - الموصوف بهذا الطريقة - يُعبّر كتقدير تقريبي أولي عن المشكلة الطوبولوجية التي يتناولها مبدأ ديريشليت بنجاح. يرشدنا هذا الأمر بدوره مباشرة عمل ريمان وبضمنه برنامج علم الفيزياء الرياضية الذي يطرحه ريمان في أطروحة تخرجه عام 1854 ومبادئ "سطح ريمان" والمبادئ المؤسسة للأطروحة المشار إليها من قبل والتي كتبها ريمان عام 1859 حول الموجات الصدمية الصوتية.

على التلميذ أن يتقن المواضيع المذكورة في علم الرياضيات عن طريق الرجوع إلى المصادر الأصلية المناسبة لكتابات غاوس وديريشليت وريمان. وينبغي أن يكون هذا موضوعا إلزاميا في المنهج الدراسي الجامعي للعلوم الاقتصادية. فبدون هذا الأساس سيكون من غير الممكن تطبيق علم رياضيات مفصل في العلوم الاقتصادية. ولا نتناول هنا إلا أهم النقاط الأساسية المتعلقة بالموضوع.

سابعا، على التلميذ أن يتقصى الحالة التي يكون فيها المخروط طويلا إلى أبعد الحدود وزاوية رأس المخروط صغيرة جداً. بمعنى آخر، عندما ننتقل بنظرنا بعيدا عن رأس المخروط فإن المنظر الجانبي للمخروط سيشبه شكل اسطوانة، كما يصبح الفرق بين المتوسط الحسابي والمتوسط الهندسي ضئيلا جداً. كما ستصبح قيمة المقاطع العرضية الدائرية المقطوعة عند نهاية كل دورة قريبة من قيمة المقاطع السابقة لها والتي تليها. وتصبح "المفردة" صغيرة جداً أينما وضعنا الحد النهائي للتقسيم الاهليلجي المتكرر. ويظهر المنظر الجانبي للولب المتشابه قريبا جدا من موجة جيبية sine wave .

حتى التلميذ الذي لم يكمل تمرين البناء المذكور هنا يمكنه أن يتوقف لحظة ويتأمل في التكافؤ الفيزيائي بين الدالات اللولبية المخروطية والدالات اللوغارثمية والمثلثية وطريقة تحديد الأرقام المتسامية e و ? (pi). تمثل الهندسة التركيبية طريقة أكثر إمتاعا لفهم علم الرياضيات بدلا من المسار الذي تحدده نقطة الانطلاق لعلم حساب بديهي. فالخرافة وغيرها من الملغزات الغريبة التي هي جزء لا يتجزأ من علم الحساب البديهي والجبريات المتسقة مع علم الحساب البديهي يمكن تجنبها بكل سعادة.

في هذه اللحظة نسجل نقطتين لا بد من توضيحهما ونحن سائرين في نهجنا هذا. إن تعريف مصطلح "العمل" في طريقة لاروش-ريمان في علم الاقتصاد هي صورة تشبيهية لدالة انتروبية سالبة للولب مخروطي متشابهة. أما تعريف "الطاقة" باعتباره مختلفاً عن تعريف "العمل" في طريقة لاروش-ريمان فهو دالة لولب أسطواني متشابه.

وللتركيز على الأهمية "الفيزيائية" لمثل هذه الدالات ذات المتغير المركب نشير إلى المشكلة التي طرحها أفلاطون لأول مرة. أصر أفلاطون على أن للعالم المرئي مظهر مختلف عن العالم الحقيقي، بنفس المعنى العام لقضية الظلال المشوهة المنعكسة من شعلة نار على جدار كهف مظلم. يقول القديس بولص أننا نرى الأشياء كأنما عبر مرآة داكنة. يأتي البرهان الأساسي على هذا الحكم من الهندسة التركيبية التي كان أفلاطون يعرفها. وقد أوصل اكتشاف كوزانوس مجددا للمبدأ الجذري للهندسة التركيبية - وهو مبدأ متساوي المحيطات - أوصل إلى حل مشكلة أفلاطون وإلى عمل غاوس وريمان.

فموضوع "المجسمات الأفلاطونية الخمس" يبين محدودية الفضاء المرئي (الإقليديسي)، وهي محدودية نابعة من مبدأ. توجد في الفضاء المرئي أشكال معينة موجودة كصور، ولكن لا يمكن اشتقاقها عن طريق البناء اعتمادا على الفعل الدائري. كل هذه الأشكال تضم في تركيبتها دالة ذات متغير مركب (أي دالات متسامية). فهي أشكال مشتقة من اللولب المخروطي المتشابه البسيط. علاوة على ذلك فإن الفعل الدائري ومشتقاته الناتجة عن عملية البناء الهندسي التركيبي هي أيضاً تعتبر عمليات إسقاط projections لدالات بنائية مبنية على أساس الدالات المخروطية المتشابهة. يبين هذا أن الصور الموجودة في الفضاء المرئي التي لا يمكن تفسيرها ضمن حدود الخصائص الهندسية للفضاء المرئي، يمكن تفسيرها بشكل تام باعتبارها صور مسقطة من فضاء ذي مرتبة أعلى، وهو فضاء الفعل اللولبي-المخروطي المتشابه.

فكما فعل ريمان ،[6]

نسمي الفضاء المرئي {{"الكل ـ المتعدد المنفصل"}} Discrete manifold ، أما الفضاء ذي المرتبة الأعلى للتراكيب البنيوية اللولبية-المخروطية المتشابهة فنسميه {{"الكل ـ المتعدد المتصل"}} continuous manifold . ونطالب بأن يتم بناء علم رياضيات خاص بعلم الفيزياء كليا في حدود "الكل ـ المتعدد المتصل"، وأن يتم تفسير دالات "الكل ـ المتعدد المنفصل" رياضيا باعتبارها إسقاط لصور "الكل ـ المتعدد المتصل" على الكل ـ المتعدد المرئي (المنفصل). لهذا الغرض نطلب من التلميذ أن يقوم باستخدام الفعل اللولبي المخروطي المتشابه لتطوير هندسة تركيبية لفضاء ذي كل ـ متعدد متصل بنفس الصيغة التي يستخدم فيها الفعل الدائري لبناء هندسة تركيبية لفضاء مرئي (الكل ـ المتعدد المنفصل). يجب اشتقاق كل الرياضيات المستخدمة في علم الفيزياء والبرهنة عليها رياضيا، فقط باستخدام طريقةِ بناءٍ هندسية تركيبية ضمن كل ـ متعدد متصل. كما يجب معاملة الدالات الجبرية باعتبارها مجرد عمليات وصف لدالات هندسية-تركيبية "لكل ـ متعدد متصل" لا غير.

بالنسبة لنا - كما هي الحال بالنسبة لريمان[7]

- يتمركز علم الفيزياء التجريبي حول تلك {{"التجارب الفريدة"}} التي تبرهن فرضيات رياضية (هندسية) مرتبطة بالكل ـ المتعدد المتصل بواسطة عمليات مراقبة تجريبية لصور مسقطة على الكل ـ المتعدد المنفصل. تعتمد هذه الإمكانية على مبدأ هندسي من مبادئ الطوبولوجيا وهو "الثبات" invariance . حسب التقدير التقريبي الأولي يمثل "الثبات" تلك الخصائص المميزة لهندسة كل ـ متعدد متصل والتي "تُحفَظ" عبر عملية الإسقاط كخصائص للصور المنعكسة على الكل ـ المتعدد المنفصل. في التقدير التقريبي الثانوي تمثل الثوابت ذات المرتبة الأعلى تلك التغيرات في الكل ـ المتعدد المتصل التي تُحمَل الى الكل ـ المتعدد المنفصل كتحولات في ثوابت الكل ـ المتعدد المنفصل. إن {{التحولات النسبية في الخصائص القياسية (metrical ) للفعل}} في الكل ـ المتعدد المنفصل تنتمي إلى هذا الصنف الثاني ذي المرتبة الأعلى من الثوابت الإسقاطية. إن الموضوع الأساسي لأية "تجربة فريدة" يخص مثل هذا التحول ذي المرتبة الأعلى في الخصائص القياسية لمبادئ الفعل في "الكل ـ المتعدد المنفصل". رسالة ريمان لعام 1859 حول توليد الموجات الصدمية هي نموذج رائد لمبادئ "التجارب الفريدة".

فمبدأ "التجربة الفريدة" هذا هو المفتاح إلى كشف سر "الظاهرة المثيرة" التي أشرنا إليها بشكل عام فيما سبق.

لوجهة نظر غاوس وريمان وآخرين مجموعة سمات رئيسية ظاهرة، كما أن لها معاني خفية قد تبدو عميقة جدا للعديد من قراء هذا الكتاب، لكن علينا ان نحددها هنا. إن تحديد هذه النقاط سيكون له تأثير كبير على المواضيع التي سنواجهها في الأجزاء اللاحقة من الكتاب.

أولا، وجهة نظر ريمان ومؤلف هذا الكتاب فيما يخص علم الفيزياء تسمى في بعض الأحيان بوجهة نظر "ماوراء اللامتناهي الانطولوجي" ontological transfinite . هذا يعني بصورة أساسية أن تعريف "المادة" و "الجوهر" ينبغي أن لا يطلق على الصور الموجودة في "الكل ـ المتعدد المنفصل"، بل يجب أن يطلق على "الأشياء الحقيقية" الموجودة في "الكل ـ المتعدد المتصل". فيجب أن لا تختلف "الخصائص" المنسوبة "للمادة" إطلاقا عن تعريف "المادة" المتطابق كليا مع الفيزياء الرياضية "للكل ـ المتعدد المتصل". هذا لا يعني أن الأشياء المحسوسة لا تمثل شيئاً حقيقياً، بل المقصود أن الطريقة التي يدرك عقلنا بها حسيا تَمَيُّز (انفصال discreteness ) الاشياء في "الكل ـ المتعدد" المرئي (المنفصل) هو إدراك مشوه. في كل حالة من الحالات علينا أن نجد الواقع الفعلي ضمن "الكل ـ المتعدد المتصل" الذي يتوافق مع التجارب المُدرَكة في حدود "الكل ـ المتعدد المنفصل".

مصطلح "ماوراء اللامتناهي" transfinite المستخدم بهذا الشكل يتوافق مع استخدام جورج كانتور (1845-1918) في كتاباته الصادرة بين عام 1871 و 1883 حول "المراتب العددية ماوراء اللامتناهية" transfinite orderings وخاصة في مقالته Grundlagen الصادرة عام 1883 بعنوان "أسس لنظرية عامة للمتغيرات". الاسس الرئيسية لهذا العمل من أعمال كانتور كانت الطرق الريمانية في التعامل مع المتتاليات المثلثية، بالإضافة إلى عمل استاذ كانتور كارل وايرشتراس Karl Weierstrass (1815- 1897) الذي أثرت طريقته في طريقة تعامل كانتور مع تحليل فوريير (Jean Baptiste Fourier). مصطلح "ماوراء المتناهي" بالمعنى الذي يفهمه كانتور ينبع من طريقة هندسية دقيقة جداً متوافقة مع طريقة ريمان [8]

. من هذا المنطلق لا يمكن اعتبار المصطلح المستخدم "ماوراء المتناهي الانطولوجي" مصطلحا غير ملائم.

وقد برز مصطلح "ماوراء المتناهي الانطولوجي" بشكل رئيسي بسبب اختلافات كبيرة في طرق البحث بين غاوس وريمان من جهة وجامعة جوتنجن في عهد البروفيسور فيليكس كلاين Felix Klein (1849-1925) وآخرين في الجهة الأخرى. وبالرغم من أن كلاين كان يشدد على أن طرق الاكتشاف التي كان كارل غاوس يستخدمها قد بدأت تضيع من المعرفة المعاصرة وحاول بذل وتحشيد الطاقات لإحياء هذه المعرفة المتلاشية، إلا أن الأخطاء الموجودة عمل ديفيد هيلبرت العظيم David Hilbert (1862-1943) تبين فقدان الفهم الحقيقي لمبادئ الهندسة التي كان غاوس وديريشليت وآخرون يستخدمونها. هذا هو ما يتضح أيضاً عندما ننظر إلى فشل العمل العظيم لماكس بلانك Max Planck (1858-1947) حول "الآثار الضمنية لإشعاع الجسم الأسود" بسبب انقلابه في منتصف الطريق - أثناء محاولته توضيح المفهوم الكمي - ضد الطريقة الهندسية الدقيقة والعميقة، مفضلا التأقلم مع مذاهب كلاوسيوس وهيلمهولتز وبولتزمان وآخرين. في أحسن الأحوال حاول رواد علم الفيزياء الرياضي في القارة الأوربية في الأجيال التي جاءت بعد عام 1860 الدفاع عن كيبلر ولايبنتز وأويلر وغاوس وريمان وآخرين بوجه هجمات التجريبيين ودافعوا عن مفهوم ماوراء المتناهي كمفهوم رياضي، مع ذلك فإنهم لم يقبلوا بالبرهان الدال على أن الجوهر المادي يوجد بدائياً في "الكل ـ المتعدد المتصل" بالمعنى الذي حددنا فيه هنا "ماوراء اللامتناهي الانطولوجي" ( Ontological Transfinite ). لهذا السبب ارتبطت الأجيال المشار إليها بمفهوم "ماوراء اللامتناهي الميثودولوجي" ( Methodological Transfinite ) وهكذا نشأ التمييز المذكور أعلاه.

النقطة الثانية في قائمة القضايا المطروحة هنا هي القضية التي تظهر بجلاء في الحملات المسمومة ضد فايرشتراس وكانتور من قبل اشخاص مثل ليوبولد كرونيكر Leopold Kronecker (1823- 1891). فكرونيكر المسؤول عن بعض الرياضيات السيئة، روج الشعار القائل "الله خلق الأعداد الصحيحة" مصرا على ان بقية الأعداد هي مجرد تراكيب ذهنية. إن قيام باسكال بتطوير الطريقة الهندسية في تحديد متتاليات الأعداد التفاضلية بالإضافة الى عمل فيرما وأويلر وديريشليت وريمان حول تحديد الأعداد الأولية يوضح مسألة أن {{جميع الأعداد يتم توليدها بعمليات هندسية}} وأن هذا التحديد ينتمي بكل مفاصله إلى "الكل ـ المتعدد المتصل" (المجال المركب). وبالرغم من أن كرونيكر ومنافسه الودي ريتشارد ديدكند Richard Dedekind (1831-1916) كانا من تلاميذ ديريشليت إلا أنهما لعبا دورا مزدوجا في مركز مؤامرة مترامية الأطراف لتدمير جورج كانتور . [9]

كانت رياضيات كرونيكر مزيجا من الديكارتية الفلسفية والقبالة البريطانية من القرن السابع عشر. فكما كان ديكارت يعتقد، اعتقد كرونيكر أن الكون محصور على أجسام قابلة للعد تسبح في فضاء اقليديسي. وهذه وجهة نظر خاصة غذت اتجاهات إسمانية راديكالية متطرفة مثل كتاب Principia Mathematica لبرتراند راسل Bertrand Russell (1872-1970) ووايتهيد A.N. Whithead (1861-1947).

يظهر من عملية مسح لمصادر أصلية غير منشورة مؤرشفة بالإضافة إلى بعض المصادر الأصلية المطبوعة أن الهجمة ضد كانتور جاءت من ثلاثة اتجاهات متعاونة مع بعضها. فمن فرنسا جاءت من الإرث الذي خلفته عمليات لابلاس وكاوشي ضد الشخصيات القيادية في الإيكول بوليتيكنيك (مثل فوريير ولوجوندر وآخرين). كما كان هناك عنصر اضطهاد ديني في شكل محكمة تفتيش ضد رياضيات كانتور من قبل جماعة دينية، وهو الأمر الذي دفع كانتور في لحظة ما إلى مناشدة ابابا ليحميه من هذه العملية. الهجوم الثالث جاء من بريطانيا حيث لعب بيرتراند راسل دورا قياديا لبعض الوقت في عملية الاضطهاد هذه. كان ذلك استمرار لعملية موجهة ضد غاوس وريمان من بريطانيا، وهو الغرض الذي من أجله تم توجيه عمل جيمس ماكسويل James C. Maxwell بصورة رئيسية وذلك حسب تصريحات ماكسويل نفسه. إن الذم الجاهل الذي وجهه راسل ضد أطروحة ريمان لعام 1854 هي مثال توضيحي على الحماسة التي كان عليها راسل حينما كان يبذل جهوده لاستئصال سمعة غاوس وريمان وكانتور وفيليكس كلاين. بالإضافة إلى أن راسل عاش طويلا جدا بما يكفي ليصبح أكثر شخص شرير في القرن العشرين، فإن راسل كان هو قائد الحملة التي أرادت تدمير مفهوم كانتور "لماوراء المتناهي" transfinite وللترويج للأكذوبة القائلة بأن "نظرية الأعداد" set theory هي ناتج من نتاجات عمل كانتور.

لقد عرضنا هذه المؤامرة المدهشة التي حيكت ضد كانتور لكي نوضح قوة وضخامة الجهود التي بذلت في القرن التاسع عشر لاستئصال التراث المنهجي العلمي (الهندسي) لكوزانوس ودافينتشي وكيبلر ولايبنتز وأويلر ومونج وغاوس وريمان وآخرين. فمعظم العيوب البديهية الأساسية التي تفسد العمل العلمي المعاصر هي بشكل عام نتائج محاكم التفتيش في القرن التاسع عشر التي تمثل قضية كانتور نموذجا لها. وعلى نفس هذه الشاكلة تبدو المفاهيم التي تم إثباتها بما لا يقبل الجدل والناتجة عن عمل قرون بدءا من كوزانوس وانتهاء بخمسينات القرن التاسع عشر، تبدو اليوم وكأنها أخطاء شاذة في أوساط الاختصاصيين المعاصرين الذين تنقصهم المعرفة بتاريخ الصراعات الخبيثة التي نتجت في أعقاب مؤتمر فيينا عام 1815. لكن لحسن الحظ وبفضل جهود المئات من الباحثين الذين فتشوا بين ثنايا كل ما وجد من المواد الأرشيفية في أكثر من عشر دول ولمدة دامت أكثر عقد أُخرِج جزء كبير من حقيقة التاريخ الداخلي للعلم الحديث إلى النور. لقد ثبت أن الجزء الأعظم من هذا الموضوع له علاقة مباشرة بالقضايا الأساسية الخاصة بعلم الاقتصاد. وكيف لا يكون، طالما أن الموضوع الجوهري في علم الاقتصاد هو "التكنولوجيا"؟

وحتى نختزل المراجعة المطروحة أعلاه حول الصفات الخاصة لعلم الفيزياء الرياضية ذات العلاقة المباشرة بعلم الاقتصاد، نقول ما يلي:

1. الكون الحقيقي ككل هو انتروبي سالب كما يتضح ذلك من التمحيص النقدي لقوانين كيبلر في علم الفلك من قبل غاوس.

2. يقع الكون الحقيقي أنطولوجياً في "الكل ـ المتعدد المتصل"، وهو متغير يمكن سبره رياضيا بواسطة هندسة تركيبية مبنية على الفعل اللولبي المخروطي المتشابه. العالم المرئي هو صورة مشوهة إسقاطية عن العالم الحقيقي.

3. نوعية الأعداد التي تتوافق بشكل مباشر مع واقع العالَم الفيزيائي (المادي) هي ذات صيغة الأعداد المركبة التي تتولد عن طريق عمليات بناء هندسية تركيبية. الأعداد المستخدمة في عملية العد هي إسقاطات لأعداد مركبة على العالم المرئي.

4. المعرفة بالعالَم الفيزيائي تأتي من ما يسميه ريمان "تجارب فريدة".

من هذا المنطلق، يمكن اعتبار ما تسمى بقوانين الديناميكا الحرارية قوانيناً مزيفة ومسلّمات مفروضة قسرياً على العمل العلمي من الخارج. الأهم من ذلك هو أن أي علم ديناميكا حرارية يعتمد على هذه القوانين المزعومة هو علم انتروبي وهذا يتناقض مع النظم الكونية الأساسية المبرهنة. بالإضافة إلى ذلك فإن "الطاقة" و "العمل" إذا عرَّفناهما تعريفاً صحيحاً فإنهما يتفقان مع حقائق موجودة ضمن "الكل ـ المتعدد المتصل" ومتفقة مع دالات مركبة لا يمكن اختزالها إلى مقادير عددية (لا توجيهية). لذلك فإن "العمل" و "الطاقة" هما ليسا "شيئين" بل عمليتين.


الهوامش

[1] مات بولتزمان منتحراً عند مزار توري إي تاسو Thurn und Taxis حيث قلعة ريلكه ( Rainer Maria Rilke) المسماة دوينو. أنظر أدناه.

[2] كان هذا الافتراض النقطة الأساسية في طريقة تفكير كارل ماركس المغلوطة (رأس المال، الكتاب الثالث: التناقضات الداخلية) القائلة بأن "نسبة الربح لا بد وأن تميل إلى الهبوط" في الاقتصاد الرأسمالي. فبالرغم من أن ماركس يذكر مرارا في حججه أنه يترك الدالات المحسوبة للتقدم التكنولوجي خارج حساباته، إلا إنه كان دائما يبني حساباته حول شروط التوسع عن طريق إعادة الاستثمار على معادلات خطية بسيطة مستشرفا بذلك أسلوب "تحليل النظم" system analysis الحديث. توجد بضعة أخطاء كبرى أخرى في حجج ماركس حول هذه المسألة ، لكن هذه هي أهمها.

[3] لقد تطوع بعض صناع القرار في "نادي روما" مثل الدكتور أليكساندر كينج Alexander King بالتصريح بذلك، حيث أكدوا التأثير الذي كان لعمل لاروش وآخرين.

[4] طرح الاقتراح للقيام بهذه التركيبة للبرهنة على مبادئ التعدد النغمي جيد التعديل well-tempered polyphony لأول مرة من قبل لاروش، وذلك أثناء ندوة عقدت في ربيع عام 1981. وقد أكمل هذا التركيب الدكتور جوناثان تينينباوم Dr. Jonathan Tennenbaum ورولف شاورهامار Rolf Schauerhammer وآخرون وتم عرضه في مؤتمر عقد في آخر ذلك العام في ألمانيا الغربية. وأدى هذا إلى عمل جديد لإعادة صياغة الافتراضات الرياضية الأنطولوجية لنظرية "النسبية الخاصة" Special Relativity (أنظر مجلة Executive Intelligence Review الصادرة في نيويورك في يناير عام 1983) ولعملية مسح ابتدائية لطريقة غاوسية للاستخدامات الحديثة للدالات اللولبية المخروطية. (تينينباوم في ربيع عام 1984).

[5] مصدر سابق. بيرنارد ريمان، أطروحة التخرج (1854).

[6] نفس المصدر

[7] نفس المصدر

[8] لا ينطبق عمل كانتور مع "نظرية الأعداد" بالصيغة المطروحة في "الرياضيات الجديدة" اليوم. (سيأتي ذكر ذلك لاحقا في هذا الكتاب).

[9] لقد بدأ لاروش باكتشاف الخيوط الأولى عن دور ديدكند في هذه العملية القذرة بعد إعادة قراءة المقدمة التي كتبها ديدكند عام 1872 لمقالته حول "الاستمرارية والأعداد الصماء" "Continuity and Irrational Numbers" . إن دور ديدكند ما هو إلا وجه من أوجه ما يمكن وصفها كليا كعملية استخباراتية.


{{{نهاية الفصل الثالث}}}





Citizens Electoral Council © 2016
Best viewed at 1024x768.
Please provide technical feedback to webadmin@cecaust.com.au
All electoral content is authorised by National Secretary, Craig Isherwood, 595 Sydney Rd, Coburg VIC 3058.