Home

A federally-registered independent political party

Follow the CEC on Facebook Follow @cecaustralia on Twitter Follow the CEC on Google +


Follow the CEC on Soundcloud












أتريد أن تتعلم كل شيء عن علم الاقتصاد؟الفصل الأول

أتريد أن تتعلم كل شيء عن علم الاقتصاد؟
So, You Wish to Learn all about Economics?
كتاب في علم الاقتصاد الرياضي الابتدائي
تأليف: ليندون هـ. لاروش
Lyndon H. LaRouche


ترجمة: حسين العسكري
Translated by: Hussein Askary


صَدَرَت الطبعة الانجليزية عام 1995 عن:
EIR News Service, Inc
Washington, D.C




الفصل الأول

منهج لايبنتز في فهم علم الاقتصاد

Leibniz's Approach to Economic Science



إن أهم صفة من صفات المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية هي تلك العلاقة الوظيفية ما بين زيادة مقدار الطاقة التي يتم تزويدها لهذا النوع من المكائن وبين زيادة قدرة العامل على إنجاز العمل. ومن فحص تلك العلاقة الوظيفية توصل غوتفريد لايبنتز (1646ـ 1716) إلى تعريف مفاهيم {{الطاقة}} و {{العمل}} و {{التكنولوجيا}} في مجال علم الفيزياء.

وتُكَوِّن دراسة هذه العلاقة الوظيفية بدءاً بموضوع المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية بالذات ومروراً بجميع خصائص العملية الإنتاجية، تُكَوِّن مادة موضوع {{الاقتصاد الفيزيائي}} . والاقتصاد الفيزيائي جزء لا يتجزأ من علم الفيزياء ككل؛ حيث أن دراسة الاقتصاد، حيثما تحكمت بها مبادئ الاقتصاد الفيزيائي، هي {{علم الاقتصاد}}.

وأما الأرضية العملية التي استند إليها لايبنتز في تطوير علم الاقتصاد فكانت فكرته القائمة على ضرورة إحداث ثورة في طرق التعدين والتصنيع ونقل المياه عن طريق إشاعة استخدام المكائن البخارية المشتغلة بطاقة الفحم. وكان معاون لايبنتز، دينيس بابان Denis Papin (1647ـ 1714)، أول من طور ماكنة بخارية ناجحة، ماكنة نجحت في تشغيل قارب نهري. [1]

وأوضح لايبنتز أن تطوير التصنيع بالاعتماد على المكائن البخارية المشتغلة بالفحم يتطلب تحسينا نوعياً في طرق تعدين الفحم والخامات. وتطلبت عملية التحسين هذه بدورها استخدام الماكنة البخارية لأغراض التعدين مثل ضخ المياه، كشرط أساس لاستخدام الإمكانيات التي يتيحها استخدام طاقة الفحم في التصنيع. ولقد كان هذا جوهر البرنامج الاقتصادي الذي قدمه لايبنتز إلى قيصر روسيا،بطرس الأول، الأمر الذي أدى إلى تقدم روسيا على بريطانيا في سعة تطوير التعدين والتصنيع خلال القرن الثامن عشر. إن الثورة التي بدأت بتأثير لايبنتز في مجال التعدين، أخذت شرارتها تشع من أوساط كاميرالية في ألمانيا إلى شمال وجنوب أميركا ووصولاً إلى التطور الذي حصل في اليابان.[2]

بالرغم من أن أول أعمال لايبنتز في الاقتصاد السياسي "المجتمع والاقتصاد" كتب في عام 1671، إلا أن عمله على مبادئ المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية بدأ في باريس خلال الفترة من 1672 إلى 1676، وهي الفترة التي اشتغل فيها في مؤسسة علمية كان قد بناها رجل الدولة الفرنسي جان بابتيست كولبير (1619ـ 1683) الذي كان بدوره زميل مازاران وخليفته. ومن بين ابرز زملاء لايبنتز في تلك الفترة كان أحد ربيبي كولبير وهو كرستيان هويغنز Christiaan Huyghens (1629ـ 1695) الذي نستدل على فهمه لعملية تطوير المكائن المشتغلة بالطاقة اليوم في مبادئ مكائن الاحتراق الداخلي المشتغلة بالبنزين والجازولين.

أما عملية تطوير المكائن البخارية الحديثة فتعود إلى أعمال ليوناردو دافينتشي (1452ـ 1519) في أواخر القرن الخامس عشر. وكانت جهود تطوير الفحم ليكون وقوداً صناعياً ماضية قدماً في أواخر القرن السادس عشر في أوساط إنجليزية مرتبطة بالعالم العظيم وليام جيلبرت (1544ـ 1603) .[3]

ومن الأمور الأكثر أهمية لعمل لايبنتز في تطوير علم الاقتصاد كان قيام ليوناردو دافينتشي بتفصيل مبادئ تصميم المكائن، إذ شيد الأساس الذي بُني على إثره عمل هويجنز ولايبنتز وفي ما بعدهم الايكول بوليتكنيك، على عهد لازار كارنو Lazar Carnot (1753ـ 1823) وغاسبار مونج Gaspard Monge (1746ـ 1818). إن مبدأ الجهد الأقل Principle of Least Action الذي أسسه لايبنتز، والذي سنكتشف هنا انه كان جوهر تعريفه لمصطلح التكنولوجيا (بالفرنسية: بوليتكنيك)، قد تم اشتقاقه من المبادئ الهندسية التي استخدمها ليوناردو دافينتشي في تصميم المكائن.

إن مبدأ الجهد الأقل يستحوذ على مكانة مركزية فعلاً من علم الاقتصاد تجعلنا ملزمين أن نذكر في هذا المكان من النص بضع كلمات عن تطور المبادئ الهندسية المرتبطة به.

مقارنة بأية مرحلة معروفة من التأريخ، سجلت عجلة التطور في مجال علم الفيزياء في أوربا منذ القرن الخامس عشر والى منتصف القرن التاسع عشر نسبا تجاوزت بمراحل عديدة أية فترة أخرى أو أي فرع من فروع الحضارة الإنسانية. وإذا أردنا أن نعزو كل تلك الإنجازات بصورة أساسية لأي عالم فرد فان جميع الإنجازات، في مجال الفيزياء الرياضية الحديثة خصوصاً، ما كانت لتتم لولا الأعمال التي قام بها الكاردينال نيكولاس كوزانوس Nicolaus of Cusa (1401-1463) التي وردت في كتابات مهمة مثل De Docta Ignorantia "في الجهل المُتَعَلَّمْ ". كما اشترط نيكولاس كوزانوس وجود فرضية شمسية استخدمها فيما بعد في صيغتها المطورة وبرهنها مؤسس علم الفيزياء الرياضية الحديثة يوهانّيس كيبلرJohannes Kepler (1571 - 1630). [4]

ومن الأمور التي كان لها تأثير مباشرٌ على مبدأ الجهد الأقل للايبنتز كان قيام نيكولاس كوزانوس بإحداث ثورة في الهندسة في سياق إعادة البحث والدراسة بشكل متكامل في موضوع تربيع الدائرة لارخميدس (حوالي 287 إلى 212 ق م)؛ حيث أعلن كوزانوس انه اكتشف منهجا اكثر تفوقاً من منهج ارخميدس. وهو اكتشاف يعرف اليوم {{بـالمبرهنة متساوية السطوح للهندسة اللاكمية (للطوبولوجيا)}} isoperimetric theorem of topology ويسميه كوزانوس {{بمبدأ الأدنى الأقصى}} minimum-maximum. وكان هذا الاكتشاف هو الأساس لمبدأ الجهد الأقل للايبنتز وهو المفتاح إلى قياس التكنولوجيا. إن ذات الاكتشاف، الذي استخدمه ـ في صيغة اكثر تطوراً ـ كل من كارل غاوس Karl Gauss (1777-1855) وليجون ديريشليت Lejeune Dirichlet (1805- 1859) وبيرنارد ريمان Bernhard Riemann (1826- 1866)، هو في ذات الوقت أساس منهج لاروش ـ ريمان في التحليل الاقتصادي، الذي هو موضوع هذا الكتاب.

كانت الهندسة الكلاسيكية في اليونان ـ قبل إنتاج ما يسمى اليوم بالكتب الثلاثة عشر لإقليدس، "الأصول" The Elements، في مصر ـ متخذة شكل ما يسمى اليوم بالهندسة التركيبية. وهذه الهندسة هي شكل من أشكال علم الهندسة يستبعد جميع المسلمات والبديهيات والطرق الشكلية الاستنتاجية للبراهين المرتبطة بمبرهنات إقليدس. إن صيغة الوجود الوحيدة {{البينة بذاتها}} self-evident في الهندسة التركيبية هي الحركة الدائرية؛ كما ويشتق تعريفا النقطة والمستقيم من طي الدائرة على نفسها. وباستثناء الفعل الدائري، إضافة إلى المستقيم والدائرة كما يعرَّفان هنا، فان أي شكل هندسي آخر في الهندسة يجب إنتاجه بالتركيب مستخدمين العناصر الثلاثة الآنفة الذكر لا غير. أدى اكتشاف كوزانوس المكرر الذي ينص على أن الفعل الدائري هو شكل للوجود بين بذاته في الفضاء المرئي، (برهان متساوي المحيطات the isoperimetric proof)، أدى إلى ثورة في الهندسة الأوربية بين اتباع كوزانوس مثل لوكا باتشيولي Luca Pacioli (1450- 1520) ومساعد باتشيولي، ليوناردو دافينتشي، وبين اتباع دافينتشي مثل البريشت دورير Albrecht Duerer (1471- 1528) ومدرسة رافائيل (رافائيللو سانزيو Raffaello Sanzio (1483- 1520)، وكان الأساس لعمل كيبلر وجيرارد ديسارج Gerard Desargues (1591- 1661) وبيير فيرما Pierre Fermat (1601- 1665) وبليز باسكال Blaise Pascal (1623- 1662). وهؤلاء جميعاً ساهموا بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عمل لايبنتز. أما عمل غاوس وديريشليت وريمان فقد بني على أساس نفس المنهج الهندسي [5]

لقد كانت السمة الأساسية لعمل باتشيولي وليوناردو في الهندسة هي إتقان مبادئ المجسمات الخمسة المذكورة في حوار طيمايوس [6]

لأفلاطون (حوالي 427ـ 347 ق. م). وهنا يكمن الدليل على أننا، في الفضاء المرئي (الاقليديسي)، لا يمكننا تركيب سوى خمسة مجسمات منتظمة باستخدام طرق الهندسة التركيبية. وهذه المجسمات الخمسة هي: 1) رباعي السطوح المثلثية المنتظم Tetrahedron 2) المكعب 3) ثماني السطوح octahedron 4) المجسم ذو الاثناعشر سطحاً duodecahedron 5) المجسم ذو العشرين سطحاً icosahedron . ولكل من 1و3و5 سطوح متساوية مؤلفة من مثلثات متساوية الأضلاع، أما اوجه ذي الاثناعشر سطح فإنها تتألف من مخمسات منتظمة ومتساوية. وبنى باتشيولي برهانا على هذه المبرهنة في كتابه "النسب المقدسة" (Divine proportione) عام 1494. وقام ليونارد اويلر Leonard Euler (1707- 1783) بتطوير برهان اكثر دقة، وهو برهان يقع في جوهر عمل اويلر لتطوير الطوبولوجيا اعتماداً على منهج لايبنتز المسمى analysis situs. لقد تمت البرهنة على أن جميع المجسمات الأفلاطونية الأربع الأخرى تشتق من المجسم ذي السطوح الاثني عشر؛ كما يتم التبيين في هذا الإطار بان {{المقطع الذهبي}}، الذي يشكل البناء الهندسي التركيبي المستخدم لبناء مخمس منتظم أو مجسم ذي اثني عشر سطح هو السمة المميزة لتفرد المجسمات الأفلاطونية الخمس.

إن تصميم الاكروبولس في أثينا لهو برهان أخّاذ على حقيقة أن معاصري أفلاطون وأسلافه من قدماء اليونان استخدموا هندسةً تركيبيةً مرتكزة على المقطع الذهبي. وكذلك فان مقارنة عمل البريشت دورير بالنسب المتناسقة المستخدمة في تصميم الاكروبولس تبين لنا أن أولئك الإغريق القدماء كانوا يفهمون المبدأ الذي أعاد اكتشافه باتشيولي وليوناردو دافينتشي والقائم على أساس {{أن جميع العمليات الحية متميزة تميزاً هندسياً أساسيا عن العمليات غير الحية بدليل أن البنية التشكيلية (مورفولوجيا) لنمو العمليات الحية ـ والبنية التشكيلية للوظائف التي يحددها النموـ هي من النمط "المتشابه ـ اللوغارثمي" self-similar للنمو، بحيث يقع "التشابه" في نسبة متناسقة متطابقة مع المقطع الذهبي.}}

ومعروف أن العديد من الطوائف (الدينية) حاولت استخلاص خصائص باطنية ومبهمة من المخمس والمقطع الذهبي للأسباب سالفة الذكر. لكن ليس في الأمر من إبهام إن كان المرء على معرفة بعمل غاوس أو ريمان على سبيل المثال. وقبل أن نصل إلى نهاية كتابنا هذا سيكون القارئ قد تعلم مبادئ الموضوع هذا من دون أي غموض أو إبهام وأهمية تلك المبادئ التي لا غنى لعلم الاقتصاد عنها. أما بخصوص ما يخدم أغراض هذا الجزء من الكتاب فيكفينا أن نتطرق إلى بضع نقاط ذات صلة مباشرة باكتشافات لايبنتز في مجال علم الاقتصاد.

أولاً، تبدأ أهمية علاقة المقطع الذهبي بمورفولوجيا العمليات الحية بالتجلي حالما ندرك سبب ميل ما يسمى {{بسلسلة (أعداد) فيبوناتشي}} (ليوناردو دي بيزا، الذي كتب Liber Abaci في عام 1202 وهو لم يتجاوز الثلاثين تقريباً) إلى القيم التي يحددها المقطع الذهبي. وسلسلة فيبوناتشي هي سلسلة هندسية (سلسلة من الأعداد الصحيحة المحددة هندسياً) تقدر بدقة النمو السكاني، وبضمنه نمو مجاميع الخلايا. وكلما ازدادت الأعداد في السلسلة في نسبها ازداد ميلها وبسرعة اكبر إلى قيم المقطع الذهبي. ولن يتطلب الأمر منا سوى مراقبة بسيطة للنباتات حتى نبرهن من جديد على اكتشاف باتشيولي و دافينتشي بخصوص حياة النباتات. وكان عمل ليوناردو في علم تشريح الإنسان والخيل وغير ذلك دراسة علمية لنفس مبدأ المقطع الذهبي [7]

. ولا يقتصر تحديد مبدأ المقطع الذهبي لأشكال الأجسام البشرية فقط، على سبيل المثال، بل يتجاوز ذلك ليشمل تحديد مورفولوجيا الوظائف البدنية أيضا.

ومن بين الفروع العديدة التي أسسها ليوناردو دافينتشي معتمدا بصورة أساسية على هذه المبادئ الهندسية قيامه باستخدام دراسته للديناميكيات التشريحية للجسم البشري من اجل تصميم الأسلحة والآلات والمكائن. ففي تصميم الأسلحة على سبيل المثال كان يستخدم معرفته بديناميكيات الجسم البشري لتطوير الأسلحة كآلات مستفيداً من الإمكانيات القصوى للحركات التي يبذلها جسم حامل السلاح بصورة يمكن من خلالها تكبيد العدو أقصى درجة من الشلل أو قتله. وطَوَّر دافينتشي مبادئ تصميم المكائن مستفيداً من الناحية هذه.

وتتم في عملية التصميم البسيط للمكائن المشتغلة بالطاقة ،على سبيل المثال، دراسة حركات العامل الذي ينتج نوعا ما من المنتجات. ويورد المراقب أي نواحي تلك الحركات هي الأكثر أهمية للعمل. فيتم دمج تلك النواحي المهمة في الماكنة ومن ثم تزود الماكنة بالطاقة سواءً كانت طاقة حيوان (عضلية) أو المياه أو الريح أو طاقة حرارية وهكذا دواليك. لذلك يكون إنتاج العامل المستخدم للماكنة اعظم من إنتاج نفس العامل بدونها.

مع ذلك، فان الطاقة التي يتم استخدامها لعمل الماكنة عموماً لا تكون هي نفس الطاقة التي يتم تزويدها للماكنة ككل. إن ماكنة بسيطة، شفرة سكين مثلاً، توضح هذه النقطة؛ فالطاقة التي تستخدمها الحافة الحادة للشفرة هي اعظم بكثير من الضغط الواقع على مقبض السكين. الطاقة هنا ازدادت تركيزاً. ونقيس نحن مثل هذا التركيز للطاقة على انه {{كثافة تدفق الطاقة}} energy flux density . وهذا يقيس تركيز الطاقة لكل سنتمتر من الحركة أو لكل متر مربع من الجهد للمقطع العرضي للفعل أو لكل متر مكعب من حجم الحركة. فإذا تم تزويد ماكنة بطَنٍّ واحد من القوة الدافعة وتم تركيز هذا الجهد ألف مرة على منطقة العمل فانه سيتم استخدام ما أقصاه ألف طن من الجهد على منطقة العمل. وسنقيس في كتابنا هذا باستمرار كثافة تدفق الطاقة بالكيلوواط وسنقيس الكيلوواط لكل كيلومتر مربع أو لكل متر مربع.

إن أول مقياس لتأثير تصميم المكائن هو مقارنة الجهد الإنساني المطلوب لتشغيل الماكنة بكمية العمل الذي ينجزه العامل المستخدم للماكنة. فإذا كانت الماكنة تشتغل بطاقة غير الجهد العضلي الإنساني فان علينا أن نحسب كلفة إنتاج الطاقة الحيوانية أو طاقة الرياح أو المياه أو الطاقة الحرارية في ضوء الجهد البشري الذي يبذله المجتمع لتنظيم وإيصال تلك الطاقة إلى الماكنة. ولنا أن نعتبر هذا الحساب الأخير على انه الكلفة الإجمالية لتزويد الطاقة. {{وعلينا بعد ذاك أن نقارن التغيرات في نسب الكلف الإجمالية لكل عامل مرتبط باستخدام صنف معين من المكائن بالتغيرات في نسبة ناتج العمل للعامل المستخدم للماكنة.}}

وتقودنا هذه المقارنة إلى دالة رياضية. تخيل رسماً بيانياً يقيس فيه محورُ Y نسبةَ ناتج العمل لكل عامل، ومحور X يقيس زيادة قيمة الكلفة الكلية للطاقة التي يتم تزويدها لكل عامل. وَسِّع بعد ذلك الدالة الرياضية بإضافة محور Z. وسنستخدم محور Z لقياس الزيادة في كثافة تدفق الطاقة للجهد الذي تستخدمه الماكنة. وحتى نهاية هذا الكتاب ستكون إشارتنا لمثل هذه الدالة الرياضية توكيداً للوظيفة ثلاثية الأبعاد التي وضحناها هنا.

وأثناء نقل الطاقة المدخلة إلى العمل، من خلال الماكنة، يضيع جزء من الطاقة في هيئة "حرارة مفقودة" أو ما يقابلها. ونسبة الفقدان هذه هي موضوع يتخذ اهتماما خاصا عندنا بزيادتنا كثافة الطاقة بنسب عالية، أي كثافة تدفق الطاقة للجهد المبذول في العمل. وهنا تواجهنا مسألة ممتعة ومثيرة. إذ نبدو قادرين على إنجاز مستويات من العمل ـ باستخدام كثافة أعلى لتدفق الطاقة من جزء ضئيل من إجمالي الطاقة المزودة للماكنة ـ أعلى من استخدام كل الطاقة المزودة عند مستوى أدنى بكثير من كثافة تدفق الطاقة. فيبدو لنا أن جزءاً صغيرا من الطاقة ينجز قدراً اكبر من العمل من كمية اكبر من الطاقة. تلك هي إحدى الخصائص المثيرة لعلم الاقتصاد التي لها علاقة مباشرة بدرجة أو بأخرى بالخصائص الأساسية لعلم الاقتصاد.

أما الصفة الإضافية العامة الأخرى من صفات الدالة الرياضية التي لها أهمية كبيرة عندنا فهي ظاهرة {{"تضاؤل معدلات المردود"}}. عند أية نقطة تتوقف نسب الزيادات في الكلفة الكلية لكل عامل، أو الزيادات في كثافة تدفق الطاقة، عن إعطائنا نفس نسب الزيادة في الناتج التي كانت متوفرة أثناء مستويات سابقة لنمو كثافة الكلفة الكلية أو كثافة تدفق الطاقة، أو كلتاهما معاً؟ وتنطبق ذات المبادئ على مسألة الزراعة.

فنقيس الناتج الزراعي بطريقتين: 1) الناتج لكل عامل و2) الناتج لكل هكتار أو كيلومتر مربع. ففي التقديرات الأولى نقيس الناتج نفسه على أساس بوشلات حبوب (البشل مكيال يساوي 35 لتر ـ المترجم)، على سبيل المثال، أو بأطنان المنتجات الحيوانية القابلة للأكل، والى آخره. ولكننا نقيس هذه المنتجات في الأساس على أنها مكونات "سلة منتجات". وتوجد "سلتا منتجات" رئيسيتان وهما: 1) السلع الإنتاجية لكل عامل في مجال الزراعة والتصنيع والبناء والتعدين والنقل. 2) المنتجات الاستهلاكية لكل فرد من السكان حسب المتطلبات المنزلية. وباستخدام "سلال المنتجات" مقياساً أساسيا للإنتاج، تتم مقارنة حاصل الإنتاج بالاستثمار المطلوب من المجتمع تقديمه لإحداث ذلك الإنتاج. ويجب أن تكون علاقة الإنتاج متلازمة مع عدد الكيلومترات المربعة من الأرض التي يحتلها ذلك المجتمع. وهذا مقياس لنسبة النشاط الإنتاجي الذي يبذله المجتمع لكل كيلومتر مربع، وهو مقياس مترابط مع مفهوم كثافة تدفق الطاقة. ويرتبط كلا المقياسين، كل كيلومتر مربع وكل نسمة من السكان (لكل عامل)، برباط الكثافة السكانية.

وتقدم لنا مسألة الزراعة شرحاً وافياً عن الطريقة التي يتم بها تطبيق المبادئ المستوحاة من دراسة مبادئ عمل المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية على العمليات الاقتصادية.

إن أهمية المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية ضمن العملية الاقتصادية ككل يتم قياسها بمعيار {اقتصاد الجهد البشري الإجمالي}} (أو معدله). ويمكن إعطاء صورة واضحة عن هذا المقياس باستخدام مفهوم توفير نفس سلة المنتجات لكل نسمة باستخدام جهد اقل من قبل المجتمع ككل، وان يتم كذلك تحسين مكونات سلة المنتجات كماً ونوعاً من دون زيادة سعة الجهد الذي يبذله المجتمع. وبصيغة أخرى، فان طرق توفير جهد العمل هي جوهر النتيجة التي يستوجب قياسها في الاقتصاد السياسي‎. كما أنها المعيار الصحيح في {{حساب ناتج الدخل القومي}} [8]

.

لقد ذكرنا سابقا أن الاستخدام واسع النطاق لإحراق الفحم بدلا من الاعتماد على إحراق الخشب أو طاقة المياه أو الرياح لتزويد المكائن بالطاقة كان نقطة انطلاق لايبنتز لتأسيس علم الاقتصاد. ولقد ميزنا الصفات الأساسية للدالة الرياضية المطلوبة. فيجب مقارنة كلفة إنتاج الفحم بالفائدة المكتسبة من إحراق ذلك الفحم لتشغيل المكائن. إن وظيفة المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية، حسب لايبنتز، هو تمكين العامل المستخدم لماكنة تعمل بالطاقة الحرارية من إنجاز ناتج عمل يفوق إنتاج "مائة آخرين" لا يملكون مثل تلك الماكنة. ولابد من مقارنة توفير جهد العمل المُمثَّل هنا (اقتصاد العمل) بتكلفة الماكنة والفحم الذي تستهلكه. وتتضمن كلفة استهلاك الفحم: التعدين ونقل ذلك الفحم بالإضافة إلى الكلفة المطلوبة لإحراق الفحم لتحويله إلى مصدر طاقة للماكنة.

إننا وفي وصفنا الأولي للدالة الرياضية المطلوبة في فقرات سابقة، عرّفنا الدالة في نطاق صيغة مناسبة للمقارنة بين المكائن بعضها ببعض. وعلينا الآن أن نعيد استعراض تلك الدالة الرياضية مجدداً. لتكن A مقدار توفير جهد العمل الناتج عن تحسين القدرات الإنتاجية للعمالة عن طريق استخدام المكائن المشتغلة بالطاقة الحرارية. ولتكن B ممثلة للتكاليف الإضافية المترتبة على المجتمع لإنتاج وصيانة وتزويد الطاقة للمكائن. وبالتالي فان قيمة (A - B = C ) لكل نسمة من السكان، حيث تمثل C هامش الربح الصافي للمجتمع، هي القيمة التي يجب حسابها عند تعريف مكونات محور Y . ويصبح هذا الربح، C ، مستوى جديداً لناتج (واستهلاك) كل نسمة من المجتمع، إذ يصبح ذلك توسيعا لسلة المنتجات لكل نسمة. ويطرح السؤال التالي نفسه هنا: عند أي مستوى من مستويات زيادة كثافة راس المال وزيادة كثافة تدفق الطاقة ترينا هذه الدالة "تضاؤلاً" في المردود؟

يتم حساب كثافة رأس المال تقريبياً على أنها {{تَناسُب}} كمية العمل المستهلك - لكل عامل مشغل لماكنة- كرأسمال مع معدل عمل العامل المشغل لماكنة. ويدخل العمل المطلوب لتشغيل وصيانة المكائن وتزويدها بالطاقة ضمن التكاليف الرأسمالية التي تحدد هذه النسبة. أما العناصر الأخرى مثل "النفقات الإضافية العامة" كالإدارة وأنواع الخدمات غير العلمية وتكاليف البيع والرسوم المالية وغير ذلك فلا يدخل ضمن تلك التكاليف.

ما هي نسبة الزيادة، المرتبطة بازدياد كثافة راس المال، في معدل إنتاجية اليد العاملة في المجتمع ككل؟ أو، قارن فقط الزيادة في القدرات الإنتاجية للعمالة لمجرد العناصر المنتجة من مجمل اليد العاملة. وفي الواقع يجب أن يترابط كلٌ من قياسي ارتفاع معدل الإنتاجية لكل نسمة.

إن "المنحني" في دالتنا الرياضية، كما تعبر عنه العلاقة المتبادلة ما بين الزيادة في كثافة راس المال ومعدل إنتاجية اليد العاملة، هو "منحني" يمثل {{ازدياد القدرة على إنجاز العمل}}. وعلينا أن نقوم بنفس التوسيع للوظيفة التي حددناها للماكنة في موقع سابق من النص؛ أي أن نضيف محور Z ، الذي يمثل ازدياد كثافة تدفق الطاقة. ويكون لدينا، بعد ذاك، "منحني" يمثل "تضاؤل نسب المردودات" لكثافة رأس المال في نقطة ما إن كانت كثافة تدفق الطاقة ثابتة. ويكون عندنا أيضا منحني يدخل في منطقة "تضاؤل المردودات" لزيادة كثافة تدفق الطاقة إن كانت كثافة راس المال ثابتة. كما يكون لدينا منحني مختلف تزداد فيه كلتا النسبتين بالتوازي. إن اكثر هذه المنحنيات إثارة هي تلك التي تتضمن مفهوم ازدياد كل من كثافة راس المال وكثافة تدفق الطاقة، ولكن بنسب متفاوتة. والأكثر إثارة من بين الأخيرة هي تلك المنحنيات التي تتفاوت كمية الزيادة النسبية فيها بصورة خطية أو لاخطية وتكون فيها نسب تغير الزيادة النسبية لكليهما قابلة للتمثيل في دالة رياضية. إن هذه الدالة هي دالة تشير لمستوى كثافة رأس المال وكثافة تدفق الطاقة.

وبمعنى آخر، يكون مستحيلاً في اكثر الحالات إثارة إحراز تقدم في كثافة راس المال بصورة فعالة بدون العمل بصورة متزامنة عند مستوى أدنى من كثافة تدفق الطاقة. كما يكون تحقيق زيادة في كثافة تدفق الطاقة بصورة فعالة مستحيلاً بدون العمل عند مستوى أدنى من كثافة راس المال. إن هذه الحالة المثيرة هي الحالة التي تواجهنا في العمليات الإنتاجية في واقع الحياة العملي. تَأمّل حالة فرضية تستهلك فيها ماكنتان نفس الكمية من الطاقة المولدة من الفحم في الساعة، ولكن في نفس الوقت يكون لأحد العاملين المشتغلين على أولى هاتين الماكنتين نسبة أعلى من المنتج من عامل آخر مشابه له يعمل على الماكنة من النوع الآخر. إن الفرق بين نوعي الماكنتين هو الفرق في التنظيم الداخلي للماكنتين. الفرق هو تعريف لايبنتز لموضوع {{التكنولوجيا}} (بالفرنسية: بوليتكنيك). فالاقتصاد الفيزيائي هو دراسة النوعين المذكورين من الدالات الرياضية من وجهة نظر {{التكنولوجيا}}.

ويتم من ناحية التقريب الأولي تعريف التكنولوجيا {{بكمية الفعل الدائري المساوية}} لتحويل الطاقة المزودة إلى فعل عملي بواسطة الماكنة.

ومثلما هي الحال في علم الفلك، على سبيل المثال، تتم دراسة العملية الداخلية للماكنة باعتبارها دورات من التغيرات في مسار الفعل المستخدم، وتعرف الدورة الشاملة باحتوائها الدورات الأصغر. وبمساعدة ما عرفه كوزانوس بمبدأ الأدنى - الأقصى، أي مبدأ متساوي المحيطات، يتم تحديد الفعل الدائري المساوي للفعل الذي تنجزه الماكنة. وهذا هو تطبيق مبدأ الجهد الأقل في تحليل تكنولوجيا دورة الماكنة.

ولا يتم الانتباه عادة لهذا الإجراء لأن معظم المكائن مرتبطة بالفعل الدوار؛ أي أن الفعل الدائري يهيمن على المكائن لان ذلك ما تتطلبه المبادئ الفيزيائية للطبيعة المتجاوبة مع مبدأ الفعل الأدنى للايبنتز.

وحتى نضيف وظيفة محور Z في دالتنا الرياضية العامة فعلينا أن نعكس زيادة في كثافة تدفق الطاقة ضمن تفسير الفعل الدائري. وينتج عن ذلك نسق أعلى من الفعل الدائري، ألا وهو {{الفعل المخروطي اللولبي}}. وتصبح المعاني الضمنية الأعمق لهذا الأمر جلية بعد تدقيق النظر في هذه الخاصية من الدالة من موضع الاستفادة من العمل الذي أنجزه كارل غاوس حول الأفعال المخروطية اللولبية اللوغارثمية.

ومن المعترف به أن ليس في العالم اليوم، باستثناء مؤلف هذا الكتاب ومعاونيه، من مؤسسة تمارس علم الاقتصاد كما حدد لايبنتز معالمه. وليس من جامعة، في أية حالة من الحالات المعروفة، خارج الدوائر المرتبطة بهذا المؤلف، تعامل علم الاقتصاد {{كاقتصاد فيزيائي}} أو تعترف بان الاقتصاد الفيزيائي والفيزياء الرياضية موضوعان متداخلان لا فصل بينهما من مواضيع البحث. هذا ولم تظهر أية أعمال جديدة في حقل الاقتصاد الفيزيائي عقب مؤتمر فيينا في عام 1815 . وباستثناء البرامج الكاميرالية التي أسستها أو تم تبنيها على يد الجهات المتأثرة بلايبنتز كان المركز الرئيسي الآخر الذي مورس فيه الاقتصاد الفيزيائي هو المدرسة التقنية Ecole Polytechnique من عام 1794 إلى 1815 في عهد لازار كارنو ومعلمه السابق غاسبار مونج. وتم الاستيلاء على تلك المؤسسة، وتدميرها، على يد بيير سيمون لابلاس (Pierre- Simon Laplace) (1749- 1827) واستمرت عملية التدمير تلك تحت نفوذ أوغسطين كاوشي (Augustin Cauchy) (1789- 1857) [9]

.

لقد استمر تطبيق مبادئ الاقتصاد الفيزيائي على قضايا الاقتصاد السياسي وعلى نحو مثمر بعد عام 1815 من قبل ممثلين مبرزين لنظام الاقتصاد السياسي الأميركي مثل فريدريك ليست (1789- 1846) وهينري سي. كاري (1793- 1879) واي. بيشاين سمث (1814- 1882). وكان كاري، بالإضافة إلى هينري كلاي، من قادة الحزب الهويغي ومرشد الرئيس أبراهام لينكولن في مجال الاقتصاد. أما صديق كاري، (إي. بيشاين سمث) فقد اصبح بدءاً من عام 1872 مستشارا لحكومة مايجي في اليابان حيث ساعد في توجيه اليابان نحو سياسة تنمية صناعية جعلت اليابان محط إعجاب وحسد في أرجاء العالم إلى اليوم. لذلك كان لعمل هؤلاء تأثير عظيم على تاريخ العالم أثناء مدة حياتهم وبعدها، لكنهم لم يساهموا إلا بالنزر القليل جدا في زيادة جملة المعارف المتعلقة بعلم الاقتصاد مثلما طوره لايبنتز واتباعه من عام 1671 إلى 1815. وبخلاف ذلك فقد بقي تيار ومنهج لايبنتز في علم الاقتصاد محافظا على كيانه بصورة نشطة في بعض المؤسسات الرائدة في ألمانيا بعد وفاة كارل غاوس (1855) وخليفة كارل غاوس المباشر لوجون ديريشليت (توفي 1859) ومعاون وخليفة كل من غاوس وديريشليت، بيرنارد ريمان (توفي 1866). وبرغم أن ديريشليت الذي كان أحد ربيبي اليكساندر فون هومبولت (Alexander von Humboldt) كان قد درس في الايكول بوليتيكنيك بالتعاون مع هومبولت. وبالرغم من أن هومبولت شخصيا كان على علاقة تعاون تآمري مع كارنو حتى وقت وفاة الأخير عام 1823، لم تقدم دوائر هومبولت في جامعة برلين وحلفائهم من أنصار غاوس في جوتنجين (Goettingen) أية اكتشافات كبرى في مجال الفيزياء الرياضية لتضاف إلى علم الاقتصاد الفيزيائي بشكل خاص. وانه لجدير بالاهتمام والذكر أن يكون هذا المؤلف أول من أشار، في عام 1952، إلى صحة وضرورة عمل ريمان لحل المشاكل المستعصية في علم الاقتصاد.

لكن كاري كان ملما، بشكل أو بآخر على الأقل، بهذه المشكلة وأهميتها. وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى كتاب كاري المعنون {{"وحدة القانون"}} (Unity of Law) لعام 1872. ويمكن بصورة عامة اعتبار هدف كاري من الكتاب هدفا صحيحاً وان العديد من الطروحات المذكورة في هذا الكتاب هي مفاهيم لا ينبغي لأي طالب علم اقتصاد جاد أن يتغاضى عنها. أما الشطحات الواردة في الكتاب فمردها إلى أن كاري كان في تلك الفترة واقعاً تحت تأثير إعجابه غير المبرر بالبروفيسور يوجين دورينغ (Eugen Duehring) من جامعة جوتنجن ،[10]

الذي كان كذبابة مايو في شهرته آنذاك. إذ تبنى كاري تحت هذا التأثير في معرفته بالمبادئ الفيزيائية مرجعيات أشخاص ومذاهب مضادة مباشرة لتيار غاوس وريمان. لذلك ينزع كاري إلى المذهب الخاطئ لعلم الديناميكا الحرارية، بالرغم من انه يصر محقا على ضرورة وضع علم الديناميكا الحرارية في الحسبان عند التعامل مع علم الاقتصاد.

إن مساهمات المؤلف الشخصية التي قدمها لعلم الاقتصاد تتمركز حول اكتشاف بدأ إنجازه أثناء عام 1952. ونتيجة لجهود بذلها المؤلف في الفترة 1948- 1952 لتفنيد مذهب "نظرية المعلومات" Information Theory لفيينر- شانون Wiener-) Shanon) اهتدى الكاتب إلى أعمال جورج كانتور في الفترة 1871- 1883 حول المراتب العددية التي يسميها {{"ماوراء اللامتناهية"}} transfinite orderings. وقاد هذا الأمر بالتالي إلى توجه جديد ومُصَحَّح لعمل ريمان في الفترة ما بين عام 1871 إلى 1883[11]

، إذ اكتشف الكاتب أن الفيزياء الرياضية لريمان قد قدمت الحل ضمنيا لمشكلة قياس العلاقة ما بين كمية من التقدم التكنولوجي والارتفاع الناتج عن ذلك في نسبة النمو الاقتصادي. من هنا نبع المنهج الذي تم تطويره ابتداء من هذا الموقع والمسمى منهج لاروش ـ ريمان.

كان من بين الطلبة المشاركين في دروس علم الاقتصاد التي نظمها الكاتب أعداد من الرياضيين واختصاصيين آخرين في الفيزياء الرياضية وحقول الدراسة المرتبطة بها. وبفضل تعاونهم في الفترة من بداية السبعينات تقريبا تم تحقيق شرح وتفصيل هامين لتطبيقات الصيغة المطورة أصلا من منهج لاروش ـ ريمان. وقد تداخل هذا العمل في مجال علم الاقتصاد بما لا يقبل الفصل مع العمل الجاري تطويره في مجالات الدمج الحراري النووي وفيزياء البلازما. وبهذا تم إحياء تراث لايبنتز والايكول بوليتيكنيك.

ويمكن شرح أهمية مثل هذا التداخل ما بين النشاطات في القضايا التالية.

لنفترض أننا، في حالة ما من الحالات، نفقد 80% من مجمل الطاقة المزودة لماكنة ما أو عملية ما، في سياق تطوير الجهد المستخدم لما مقداره عدة مراتب رقمية أو اكثر من كثافة تدفق الطاقة المتزايدة. مع ذلك فإننا، في بعض هذه الحالات، ننجز قدرا اكبر من ناتج العمل مما يمكن أن نحصل عليه باستخدام 100% من الطاقة المزودة عند مستوى أدنى لكثافة تدفق الطاقة. لقد أشرنا إلى هذه الظاهرة المثيرة فيما سبق، بما معناه: {{أن التحويل البسيط للطاقة إلى عمل هو مفهوم زائف}}. إن ذات الظاهرة المثيرة هي في نفس الوقت الصفة الجوهرية للعمليات الحية، كما إنها تعترضنا في نواحي أخرى للعمل العلمي أيضا.

وكما سنبرهن في جزء لاحق من هذا النص، فان علم الاقتصاد، إذا ما نظرنا إليه من موقع الاستفادة الذي توفره الفيزياء الرياضية لريمان، يجبرنا على أن نعرّف العمل و الطاقة بطريقة خاصة، طريقة تناقض تلك التي أشاعها كلاوسيوس (Clausius 1822- 1888) وهيلمهولتز (Helmholtz 1821- 1894) وماكسويل (Maxwell 1831- 1879) وبولتزمان (Boltzmann 1844- 1906). ولأسباب بينها بكل تأكيد يوهانّيس كيبلر ونتيجة لقيام كارل غاوس بإتمام نواحي عمل كيبلر في هذا المجال، فان مفهومي العمل والطاقة المستنبطين من علم الاقتصاد هما بالضرورة المفهومين الصحيحين والمتوافقين مع مفاهيم ريمان الفيزيائية الرياضية (mathematical physics qua physics). لذلك فعالم الاقتصاد هنا مرغم على أن يبحث في عمل الفيزيائيين وعلماء الأحياء عن الحالات الاختبارين التي يتطلب موضوع البحث فيها ذات المفهومين {{العمل والطاقة}} النابعين من علم الاقتصاد. والغرض الرئيسي لهذه البحوث هو فرز تلك النواحي من العمليات الفيزيائية التي بطبيعتها تكون الأكثر فائدة لتقدم التكنولوجيا.



الهوامش


[1] بعد أن برهن بابان على نجاح قارب نقل نهري مشتغل بطاقة البخار ذهب إلى إنجلترا حاملا معه تفاصيل تصاميمه ثم اختفى بعد ذلك مباشرة. بعد ذلك ظهرت نسح مزورة لاختراعات بابان على أنها اختراعات بريطانية.

[2] لقد كانت ألمانيا بالطبع مركزا لتكنولوجيا التعدين أثناء القرن الخامس عشر. مع ذلك فان الأقاليم الألمانية التي كانت تكنولوجيا التعدين تتركز فيها قد ضاعت في غمرة أوضاع لا توازيها إلا عصور الهمجية بسبب الحرب الأهلية عامي 1525- 1526 والأوضاع القاسية التي أعقبتها. ومن ثم ضاعفت الآثار المدمرة لحرب الثلاثين عام من 1618 إلى 1648 تلك المشاكل. ولم تبدأ ألمانيا المدمَّرة والمتضائلة سكانياً باسترداد عافيتها إلا بعد هزيمة الهابسبورغ (Hapsburg) على يد الكاردينال مازارين (Cardinal Mazarin) عام 1653. وتوجهت القوى التي أعادت إعمار ألمانيا ـ ومنها لايبنتز ـ إلى فرنسا طلبا للتكنولوجيا التي احتاجتها تلك القوى. وكانت الفترة التي تطورت فيها ألمانيا لتصبح من جديد مركز العالم في تكنولوجيا التعدين هي فترة حياة لايبنتز في رشدها وما بعدها.

[3] لقد كان جلبرت (Gilbert) هذا هو الذي وضع الأسس التي بنيت عليها المعرفة الحديثة للمجال المغناطيسي للأرض، مثلا في كتابه (De Magnete) عام 1600، وكان أيضا مكتشف ظاهرة البلازما المغناطيسية. كان جلبرت عرضة للتهميش في بعض الدوائر لأنه علاوة على كونه خصما لعائلة سيسل (the Cecils) ولفرانسيس باكون (Francis Bacon) في الدوائر المرتبطة بالملكة اليزابيث مباشرة، فقد كان الهدف المباشر لجهود باكون المتأخرة لطمس تأثير المنهج العلمي لنيكولاس كوزانوس وليوناردو دافينتشي وجلبرت وكيبلر وغيرهم وإزالة ذلك التأثير من بريطانيا القرن السابع عشر.

[4] قامت محاولات عديدة في القرن السابع عشر على يد روبرت فلود (Robert Fludd) اليسوعي وغاليليو غاليلي (Galileo Galilei) ورينيه ديكارت (Rene Descartes) والدوائر المرتبطة بوليام بيتي (William Petty) في الجمعية الملكية في لندن لتكذيب وتشويه المكانة العلمية لعمل كيبلر وإثارة الشكوك حولها. مع ذلك فان هذه الانتقادات قد تم دحضها دحضاً شنيعا بواسطة اكتشاف غاوس أن كيبلر تنبأ على نحو مضبوط بالقيم المدارية المتوافقة لحزام الكويكبات "بالاس" وبواسطة الحل الذي وضعه غاوس لتحديد الوظائف الاهليلجية. ولا يزال كيبلر قائما إلى اليوم باعتباره أول من ألف هيئة شاملة من القوانين الرياضية لغرض تحديد الحركة ضمن الكون، ولهذا السبب فان كيبلر هو المؤسس للفيزياء الرياضية الحديثة.

[5] كان ريمان تلميذ البروفيسور ياكوب شتاينر (Jacob Steiner) مؤلف منهاج الهندسة التركيبية للمدارس الثانوية. وحصل معاونو الكاتب في الأرشيف الإيطالي على نسخ من ملاحظات كتبها الرياضي الإيطالي اينريكو بيتّي (Enrico Betti 1823- 1892) حول حوارات أجراها مع ريمان أثناء منفاه في إيطاليا. وأستلهم بيتي وعدد من مناصريه التأثير الذي افرزه ريمان، إذ نتج عن ذلك إنشاء مدرسة الفيزياء الرياضية العظيمة في ذلك البلد. ويشدد ريمان في تلك الملاحظات على أهمية تعليم وتربية علماء المستقبل بمساعدة التدريب الدقيق والشامل على عمل شتاينر في مجال الهندسة التركيبية.

[6] نظراً لان الترجمات الإنجليزية الباقية لحوار طيماوس لأفلاطون، وبالذات ترجمة بينجامين جاويت (Benjamin Jowett) قد تم تحريفها عمداً، خاصة المواضع التي اعترض فيها جاويت بشدة على مفاهيم أفلاطون، فقد فوض الكاتب ترجمة جديدة في العام 1978. وكان حوار طيماوس إلى اليوم الذي أحضرت فيه مجموعة المخطوطات من اليونان إلى كوسيمو دي ميديتشي (Cosimo de Medici) من اليونان أثناء القرن الخامس عشر، العمل الوحيد الذي جد الدارسون والمفكرون في أوربا الغربية في دراسته دراسة جيدة من بين جميع أعمال أفلاطون. إذ أن لمحاورة طيماوس ـ بالإضافة إلى محاورتي "كريتياس" و"القوانين" ـ أهمية مركزية في إيجاز معرفة أفلاطون العلمية ضمناً. وان محاورة طيماوس من بين جميع محاوراته هي صاحبة الموقع المركزي في اهتمام جميع مؤسسي علم الفيزياء الأوربي الحديث.

[7] سيتم تبيان وتوضيح الأسباب التي لأجلها يظهر المقطع الذهبي في أصناف معينة من العمليات، في مكان لاحق من هذا الكتاب؛ إذ انه "ما من سحر في الأعداد". وحالما يعرف سبب ظهور المقطع الذهبي فيصبح إقحام "خصائص" معينة على هذه النسبة أو على أية أعداد أخرى مستحيلاً.

[8] بالرغم من أن "حساب الدخل القومي" ضروري لممارسة علم الاقتصاد، فان وظيفته هي جمع المعلومات لاستخدامات علماء الاقتصاد، لكنه بحد ذاته ليس جزءاً من علم الاقتصاد. أي أن محاولة اشتقاق قوانين للعمليات الاقتصادية من معلومات حساب الدخل القومي هي من مظاهر العجز.

[9] إن قضية انتحال كاوشي لمقالة نيلز ابيل (Niels Abel 1802- 1829) هي من شيم كاوشي. إذ كان ابيل قد قدم تقريراً لـ أ.م. لوجوندر (1752- 1833). وكان لوجوندر الرياضي الأول في فرنسا حينذاك (انظر كتاب أطروحة في الدالات الاهليلجية Treatise on Elliptic Functions) وأستاذ ابيل وريمان وآخرين وصاحب تأثير عليهم في ذلك الوقت وفيما بعده. واعترض كاوشي سبيل ذلك التقرير وأخفاه، مستخرجا بعد ذاك مجموعة من المفاهيم المشابهة لتلك المذكورة في البحث مدعيا ملكيتها لنفسه ومنكراً في ذات الوقت معرفته بمكان تقرير ابيل. لاحقاً، وبعد وفاة كاوشي، وجد التقرير المفقود وقد وضع بأناقة شديدة بين ملفات كاوشي.

[10] ذلك هو البروفيسور يوجين دورينغ الذي أنقذه قلم فريدريك أنجلز من الانحدار إلى غياهب النسيان. انظر حول أنجلز:

Anton Chaitken, Treason in America, New York, 1984

كان أنجلز عميلاً بريطانياً من جناح اللورد بالمرستون إذ خدم أنجلز مؤقتاً بصفته الموجه لكارل ماركس، مملوك المخابرات البريطانية، مشاركا في هذه المهمة غيره من الضباط البريطانيين أمثال ديفيد اوركوهارت (David Urquhart) الشهير وآخرين. وسبب هجوم أنجلز على دورينغ المسكين هو ارتباطات دورينغ السياسية عالمياً، الأمر الذي أغفله أنجلز ليحوز على ثقة قرائه في جدليته الشهيرة نوعاً ما المضادة لدورينغ. وكان اللورد بالمرستون مشتركا في توجيه مؤامرة أوربا الفتاة لجيوسيبي ماتسيني (Giuseppe Mazzini). وكان ماركس أداة بيد مازيني إلى الوقت الذي صدرت فيه الأوامر من موجهي مازيني للتخلص من ماركس حوالي عام 1869. وبعد وفاة ماركس بنى أنجلز أسطورة عن صداقته مع ماركس، واغرق تلك الأسطورة بالمبالغات. لهذا السبب، وحيثما اجتمع الماركسيون يذكر اسم البروفيسور يوجين دورنغ باعتباره الشخص المستهدف في محاورة ex cathedra لأنجلز حول المنهج. وتبقى القضية هنا هي أن دورينغ هو الذي ضلل كاري وليس أنجلز.

[11] لم يكن للمؤلف ولا معاونيه إلى نهاية السبعينيات أي معرفة تقريباً بعمل ريمان الذي أنجزه بعد عام 1859 تقريباً. وسبب ذلك هو انه كان معروفاً أن ريمان كان يموت موتاً بطيئاً نتيجة لمرض السل الوراثي الذي يبدو انه قضى على العديد من أفراد عائلته في عمر مبكر.

فبالإضافة إلى تعرض ريمان لحملة "محاكم تفتيش" على يد دوائر مقربة من كلاوسيوس وهيلمهولتز وغيرهم (بدءاً من عام 1857) فقد حرمته حالته الصحية المتدهورة من استخدام يديه للكتابة في فترة مبكرة في بداية الستينات من القرن التاسع عشر. ولم تتحسن معرفتنا بأفكار ريمان خلال الفترة 1860- 1866 إلا بعد أن بدأ مشروع دراسي قام به اوفه باربارت - هينكه (Uwe Parpart-Henke) في عام 1978 في البحث في أرشيف بيتي (Betti) في إيطاليا.

ويمكن تقسيم التاريخ ما بين 1852 و1859 كما يلي. أطروحة تخرج ريمان المعنونة {{"حول الفرضيات المؤسِّسة للهندسة"}} (On the Hypotheses Which Underlie Geometry"") المنشورة عام 1854 وفي الواقع تم تسليمها في عام 1853. كانت هذه الأطروحة واحدة من ثلاث حضّر ريمان مسوداتها لامتحان تخرجه عام 1853 تحت رعاية سنده غاوس. أما الأطروحتان الأخريان فمتوفرتان في أرشيف أعماله غير المنشورة وهما وثيقتان على درجة فائقة من الأهمية في ما يخص التاريخ الداخلي للعلم برغم المعرفة الضئيلة بهما.

وعلى أساس هذه الأدلة، فإننا نؤرخ لـ"ريمان" صاحب رياضياته الفيزيائية بدءاً من فترة كتابة أطروحات التخرج الثلاث المستقبلية. ويشير التاريخ 1859 إلى إصدار رسالته المعنونة {{"حول انتشار موجات الهواء البسيطة ذات المقادير المحدودة}} "On the Propagation of Plane Air Waves of Finite Magnitudes" ، الذي يمثل مرحلة تم عندها إكمال معظم عمل ريمان حول علم الديناميكا الكهربائية. (1861 ملاحظات من المحاضرات التي ألقاها ريمان في جامعة جوتنجن في موضوع علم الديناميكا الكهربائية، تم طبعها عام 1857 من قبل كارل هاتّندورف (Karl Hattendorf). قد يختار البعض تاريخ رسالته الأسبق عام 1851 بدلاً من تاريخ التحضير لأطروحة تخرجه. إن هذا الجدل لا يستحق العناء، فهذه هي خلاصة إشارتنا إلى الفترة ما بين عامي 1852و1859.


{{{نهاية الفصل الأول}}}





Citizens Electoral Council © 2016
Best viewed at 1024x768.
Please provide technical feedback to webadmin@cecaust.com.au
All electoral content is authorised by National Secretary, Craig Isherwood, 595 Sydney Rd, Coburg VIC 3058.